وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في المملكة العربية السعودية ثامر السبهان في لقاء مع زعماء العشائر العربية السورية
لم يكن انتشار وباء "كورونا" في إيران وسوريا، والتنسيق بين طهران ودمشق من أجل مواجهته واحتوائه في البلدين هو السبب الحقيقي لزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى العاصمة السورية ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد.
فما صدر في الإعلامين السوري والإيراني على لسان الأسد وظريف من مواقف منتقدة للولايات المتحدة الأميركية خصوصاً والغرب عموماً على "المواقف اللاأخلاقية" في التعاطي مع انتشار الوباء، لم يكن سوى الذريعة والواجهة لملفات حملها ظريف الى الأسد بعدما بدأت تثير قلقاً واسعاً وعميقاً لدى القيادة الإيرانية في شأن مستقبل الدور الإيراني في سوريا خصوصا والمنطقة عموماً.
الأسباب الحقيقية لزيارة ظريف الى دمشق
بحسب معلومات دبلوماسية موثوقة فإن دوافع زيارة ظريف إلى دمشق هي الآتية:
1- العودة العربية الفاعلة والعميقة والجدية الى الساحة السورية، دبلوماسياً وأمنياً وعسكرياً وإنسانياً، لا سيما من خلال جهود كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فطهران التي كانت تراهن على تباينات في الموقفين السعودي والإماراتي في الملفين اليمني والسوري، وتبني الآمال الوهمية والاستراتيجيات الخاطئة على هذا الأساس، بدأت تتلمس تحولات دراماتيكية لغير مصلحتها في ضوء إمساك فريق سعودي عرف بحرفيته ومهنيته العالية واطلاعه الواسع على التركيبة الاجتماعية والسياسية لشعوب دول المنطقة، بالملف السوري ونجاحه السريع في نسج علاقات وثيقة ومستدامة مع العشائر والقوى السياسية والحزبية الناشطة في المعارضة السورية، على نحو شعرت معه إيران بأن البساط بدأ يسحب فعلياً من تحت قدميها في سوريا.
ويأتي هذا التحرك السعودي الفاعل ليتكامل مع نشاط دبلوماسي لافت للإمارات العربية المتحدة في شأن الملف السوري، مما خلق ظروفاً سياسية وميدانية محلية وإقليمية ودولية تسمح بحضور عربي فاعل على طاولة الكبار الدوليين الذين يبدو أنهم قرروا وضع الملف السوري على طريق الحل في وقت قريب، لا سيما في ضوء سلسلة استحقاقات سياسية واقتصادية مستقبلية ناجمة عن تداعيات وباء "كورونا" التي يستعد المجتمعان العربي والدولي لمواجهتها بتعاون وتنسيق عميقين. وقد أدركت إيران بأن هذه المستجدات تهدد كل ما سعت الى بنائه في سوريا على مدى أكثر من تسع سنوات من عمر الحرب السورية، مستخدمة لذلك كل الوسائل العسكرية والأمنية والعقائدية والديموغرافية المتاحة لها.
2- ما زاد من الخوف الإيراني الذي يقارب الهلع والذعر هو استراتيجية المواجهة العسكرية الأميركية الجديدة التي تجعل من العراق وسوريا ساحة واحدة، بعدما كانت الولايات المتحدة الأميركية قررت الانسحاب من سوريا. وفي حين كانت طهران تبذل كل إمكاناتها العسكرية والأمنية للضغط من خلال أذرعها العراقية بالقصف على المعسكرات الأميركية في العراق لإجبار الولايات المتحدة الأميركية على اتخاذ قرار بالانسحاب من بلاد ما بين النهرين على غرار القرار السابق بالانسحاب من سوريا، إذا بالقيادة الإيرانية تتفاجأ باستراتيجية أميركية جديدة تقضي باعتبار العراق وسوريا ساحة واحدة للمواجهة مع إيران لا سيما من خلال التركيز على الحدود العراقية السورية، وهو ما فهمته طهران على أنه قرار أميركي بإخراج إيران من سوريا مما يعني قضاء على كل الاستراتيجية الإيرانية التي كانت تتباهى بالسيطرة على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وقد رصدت إيران بالتأكيد المعلومات التي أفادت بأن الجيش الأميركي أعاد استدعاء جميع الذين عملوا معه سابقاً في سوريا من عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للعمل معه من جديد في منطقة شرق الفرات. وقد التحق بالفعل مئات من هؤلاء العناصر خلال الأسبوعين الماضيين بالقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في مناطق دير الزور والحسكة، لقاء مرتبات مالية تفوق تلك التي كانوا يتقاضونها في السابق. وقد جاء الموقف الأميركي الذي عبر عنه الموفد الأميركي الى سوريا السفير جيمس جيفري تعليقاً على زيارة ظريف الى دمشق ليقطع الشك باليقين، ويحدد سياسياً أهداف الحركة العسكرية الأميركية بقوله تعليقاً على إعلان القيادتين السورية والإيرانية بأن محادثاتهما تركزت على حماية شعبيهما من وباء "كورونا": "إذا كانت إيران قلقة حقًا بشأن صحة وسلامة الشعب السوري، فستدعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وتسحب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله ، والقوى الإرهابية الأخرى التي تعمل تحت قيادتها من سوريا بالكامل. وأضاف: "لقد كانت مساهمات إيران الوحيدة في سوريا هي العنف وعدم الاستقرار، ويجب على نظام الأسد وحلفائه قبول إرادة الشعب السوري الذي يطالب ويستحق العيش بسلام من دون التفجيرات وهجمات الكلور والبراميل المتفجرة والاعتقال التعسفي والمجاعة".
3- لاحظت القيادة الإيرانية بدقة أن التحرك العسكري الأميركي الميداني المستجد على الأراضي السورية ترافق مع صدور بيان لجنة التحقيق الدولية التي تولّت بموجب تكليف من مجلس الأمن الدولي التحقيق في الجهات المسؤولة عن الهجمات الكيماوية التي استهدفت بعض المناطق السورية في العام 2017. وقد حمّل البيان في شكل واضح وصريح النظام السوري المسؤولية الكاملة عن قصف بلدة "اللطامنة" السورية في 24 و25 و30 آذار/مارس 2017 بغاز السارين والكلور.
4- رصدت طهران سلسلة مواقف إعلامية روسية منتقدة للرئيس السوري بشار الأسد، لا سيما الهجوم العنيف الذي شنته وكالة "الأنباء الفيدرالية" الروسية على الرئيس بشار الأسد واصفة إياه ب"الضعيف"، مشيرة الى "عدم قدرته على محاربة الفساد المستشري في إدارته"، ومتهمة مسؤولي النظام "باستغلال المساعدات الروسية لأغراضهم الشخصية".
وفي التقرير الأول للوكالة التي يملكها الملياردير المقرب من الكرملين "يفغيني بريغوجين" الذي موّل مجموعة "فاغنر" للمرتزقة الروس الذين قاتلوا إلى جانب نظام الأسد منذ سنوات، إعتبر كاتب التقرير ميخائيل تسيبلاييف، أن الوضع الاقتصادي في سوريا حالياً سلبي للغاية، مشيراً إلى "عدم توفر الظروف للشراكة بين روسيا وسوريا بسبب ارتفاع مستوى الفساد في المستويات السياسية العليا".وكذّب التقرير ادعاءات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية في 12 نيسان/أبريل بأن عدداً من آبار الغاز في حقلي حيان والشاعر توقفت عن العمل بسبب سيطرة الإرهابيين على مدينة "السخنة" الواقعة بالقرب من الآبار، لتبرير زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي، متهماً رئيس الوزراء السوري عماد خميس ب "تجميع أموال من تصدير كميات من الكهرباء إلى لبنان منذ 2019 بعد زيادة الإنتاج في حقول حمص من الغاز، بمساعدة روسية".وكشف عن أنه "في عام 2019، أعادت حكومة خميس التفاوض بشأن عقد لتزويد لبنان بالكهرباء، كان موقعاً منذ 2013، من محطات الطاقة التي تستهلك الغاز من الحقول المحررة"، منتقداً ضياع ملايين الدولارات، "التي كان يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة على الاقتصاد السوري"، لكنها "تذهب إلى جيوب المسؤولين السوريين الذين يحصلون على عمولتهم. ونتيجة لذلك، يضطر المستهلكون في سوريا نفسها إلى الجلوس من دون كهرباء، بينما تتلقى الحكومة الملايين من تجارة الكهرباء". واعتبر التقرير أنه "نتيجة أنشطة حكومة عماد خميس، لا يمكن للشركات الروسية أن تعمل في سوريا بسبب المشاكل الهائلة في اقتصاد البلاد والفساد التام في القطاع العام. وبدورها، تزداد الحكومة ثراء وتنقل الأموال إلى الغرب، على الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تواصل عدوانها على سوريا اقتصادياً من خلال نظام العقوبات".وخلص التقرير إلى أن "السكان المحليين غير راضين عن إجراءات حكومة خميس وارتفاع مستوى الفساد، وعلى هذه الخلفية، يفقد بشار الأسد شعبيته بين النخب المالية، ويبدو زعيماً ضعيفاً، غير قادر على كبح الفساد وتهيئة مناخ اقتصادي داخل سوريا".واستشهد التقرير بتصريحات حصرية لنائب رئيس الوزراء السابق ورئيس منصة موسكو للمعارضة قدري جميل قال فيها إنه "قبل الأزمة، كانت نسبة الفساد مقارنة بالدخل القومي للناتج المحلي الإجمالي، تصل إلى نحو 30 في المئة"، وإن أعداد أصحاب المليارات في سوريا ارتفع من اثنين أو ثلاثة قبل 2011 إلى عشرات حالياً، وخلص إلى وجود مشكلة كبيرة لأن "الناس فقراء، ومستوى المعيشة يتدهور بشكل كارثي".
أما التقرير الثاني فهو عبارة عن استطلاع للرأي بين السوريين أظهر أن "شعبية بشار الأسد تتراجع على خلفية الفساد والمشاكل الاقتصادية في البلاد". وأظهر الاستطلاع أن "32 بالمئة فقط من سكان سوريا أعربوا عن استعدادهم لدعم بشار الأسد في انتخابات 2021. وأوضح المشرف على الإستطلاع ألكسندر مالكيفيتش أن "التراجع في نسبة التأييد لبشار الأسد مرتبط بتجذر الفساد والمحسوبية في مستويات السلطة العُليا والدائرة المقربة من الرئيس"، مشيراً الى أن الاحساس بالتشاؤم ساد معظم ال 1400 سوري الذين تم استطلاع رأيهم عبر الهاتف في 12 نيسان / أبريل الماضي. وختم: "الناس ينتظرون إصلاحات وسياسيين أقوياء جدداً في السلطة قادرين على تجاوز الأزمة... والقيادة الحالية لم تلبّ هذه التطلعات حتى الآن... ومن الواضح أن الإصلاحات الاقتصادية، ومحاربة الفساد، وخلق مناخ مواتٍ للأعمال، أمور غير مُتاحة في الظرف الراهن".
ونقل التقرير الثالث عن المحلل السياسي إيفان أركاتوف أن "الأعمال الروسية في سوريا لا تزال دون المستوى المطلوب بسبب ما يضعه المسؤولون المحليون من قيود وعقبات"، متهماً المسؤولين السوريين بتلفيق حجج لعدم تطوير الأعمال الروسية رغم توفير الظروف بعد وقف إطلاق النار في إدلب، والقضاء على تنظيم "داعش". وقال إن "الفساد في سوريا، خصوصاً على المستوى الحكومي، هو أحد أكبر المشاكل بالنسبة لروسيا... فنحن نستثمر مبالغ كبيرة من المال في الاقتصاد السوري، لكننا لا نشهد نتائج... ويبدو أن كل الاستثمارات التي توظفها روسيا في سوريا تذهب إلى جيوب جهات أخرى"، غامزاً من قناة عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، ومن أقاربه في "عشيرة مخلوف وهي أسرة غنية ومؤثرة، كثيراً ما يؤخذ رأيها في الاعتبار عند إعداد القرارات السياسية والاقتصادية في دمشق". ورأى إيفان أركاتوف أن "الأسد غير قادر على التعامل مع الأوضاع"، وأنه "يفتقر إلى الإرادة السياسية والتصميم على مواجهة النظام العشائري القائم". وخلص إلى أنه "يتعين على روسيا أن تعيد النظام إلى الاقتصاد السوري، غير الصالح بسبب الفساد"، معتبراً "إذا كان الفساد أسوأ من الإرهاب حسب أقوال الأسد"، فيجب "على روسيا أن تهزم الفساد في سوريا بالطريقة التي هزمت بها الإرهاب".
4- الحشود العسكرية التركية التي، على الرغم من توقف المعارك منذ أسابيع، لا تزال تدخل الى عمق الأراضي السورية عبر الحدود التركية باتجاه إدلب وجوارها، في شكل شبه مستمر منذ المواجهات الأخيرة التي استهدفت في خلالها الطائرات الحربية والصواريخ والمدفعية التركية في شكل مباشر القوات الإيرانية والقوات التابعة لها، لا سيما حزب الله اللبناني.
5- الأضرار الجسيمة والخسائر البشرية الفادحة التي تحلقها الغارات الإسرائيلية المتلاحقة بالبنية العسكرية التحتية الإيرانية في سوريا وفي المواقع والتجمعات ومراكز القيادة والتحكم التابعة للحرس الثوري الإيراني والقوات التابعة له المتمركزة في سوريا، في ظل وقوف القوات الروسية ومنظوماتها للدفاع الجوي موقف المتفرج على ما يجري.
رسائل القيادة الإيرانية الى الأسد:
وفي المعلومات المتوافرة من جهات دبلوماسية واسعة الإطلاع فإن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نقل الى الرئيس السوري بشار الأسد:
1- قلق القيادة الإيرانية ومخاوفها من أن يكون الوضع في سوريا، في ضوء المواقف الروسية خصوصا، مقبل على تطورات دراماتيكية متلاحقة لن تصب في مصلحة إيران وبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، مشدداً على أهمية رفع التنسيق بين الجانبين لئلا يصبحان معاً ضحية تفاهمات عربية – دولية، وتحديداً أميركية – روسية – سعودية – إماراتية – تركية – إسرائيلية على حساب بقاء الأسد في السلطة، وعلى حساب المشروع الإيراني الاستراتيجي في سوريا والمنطقة.
2- استغراب القيادة الإيرانية من حالة عدم الثقة التي بدأت تظهر في العلاقات بين القيادات العسكرية والأمنية والميدانية السورية والإيرانية على خلفية المخاوف من انتقال عدوى "كورونا" من القادة العسكريين الإيرانيين الى نظرائهم السوريين الذين باتوا يتحاشون اجتماعات التنسيق المشتركة ويتهربون منها بحجة تدابير عسكرية اتخذتها القيادة السورية لحماية قادتها العسكريين والأمنيين ومنع تفشي الوباء في صفوف الجيش السوري والأجهزة الأمنية.
3- طلب التعاون السوري مع إيران لكشف الاختراقات المخابراتية والاستعلامية التي نجحت إسرائيل في إحداثها على الأراضي السورية وفي الحصول من خلالها على إحداثيات المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، ومستودعات الأسلحة والذخائر، وتفاصيل تنقل المسؤولين الإيرانيين وحلفائهم على الأراضي السورية وأماكن إقامتهم، بحيث بات كل تفصيل على علاقة بالوجود الإيراني في سوريا مكشوفاً لإسرائيل على مدار الساعة، متوقفاً في هذا الإطار عند اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من خلال رصد وصوله من لبنان الى سوريا، وركوب طائرة من مطار دمشق الى بغداد، وعند الغارات الإسرائيلية المحددة والدقيقة والموضعية التي تستهدف القوات الإيرانية ومراكز قيادتها ولوجستيتها على الأراضي السورية.
4- أهمية وضع خطة اقتصادية – مالية، إيرانية – سورية مشتركة للمرحلة المقبلة في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تسبب بها وباء "كورونا"، وفي ضوء ملامح تطبيق قانون "قيصر" الأميركي لمحاصرة النظام السوري ومعاقبته، وهو ما سيزيد من الانعكاسات السلبية على الاقتصادين السوري والإيراني، لا سيما في ظل انهيار أسعار النفط، مما سيحرم إيران من مداخيل تهريب النفط الذي تخرق من خلاله العقوبات الأميركية والدولية عليها، وسينسف سكك التهريب والتمويل التي كانت كل من طهران ودمشق تعتمدها في المرحلة السابقة للالتفاف على العقوبات، مستغلتين الساحتين اللبنانية والعراقية من أجل ذلك.
5- التنبه لأهمية التنسيق في مواجهة انفجار الضغط الشعبي المتزايد في الداخلين السوري والإيراني بسبب تفاقم تردي الظروف الحياتية والمعيشية والتدهور الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية للناس، وفقدان الكثير من السلع الاستهلاكية الغذائية والحيوية من الأسواق، وسبل ضربه في مهده، خصوصاً أنه يتقاطع سياسيا ومطلبيا وزمنيا مع ضغط شعبي مماثل في كل من العراق ولبنان، مما سيضعف حلفاء إيران في السلطتين العراقية واللبنانية، ويشتت قدرات طهران في التركيز على إخماد الثورات الداخلية بدل التركيز على الاستراتيجية العسكرية لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية والضغط والتهويل على حلفائها في المنطقة العربية وابتزازهم.
التصوّر الإيراني للمواجهة:
أما التصور الإيراني لمواجهة المرحلة المقبلة، فقد عرضه ظريف على الأسد الذي بدا مستمعاً من دون ردة فعل يمكن أن يستشف منها المسؤول الإيراني الزائر موافقة أو رفضا، تأييدا أو تحفظا.
وتضمن التصور الإيراني اقتراحات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، تحت عنوان "تدعيم التحالف السوري – الإيراني وتعزيز المواجهة المشتركة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة".
على الصعيد السياسي: ضرورة تعطيل أي عودة الى البحث في الحل السياسي في سوريا تحت مظلة دولية، وتحديداً تحت مظلة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ومسار جنيف. فإيران تعتبر مثل هذه العودة إلغاء لأي دور مستقبلي لها في سوريا وتدميراً ليس فقط لجهود تسع سنوات من الحرب العسكرية على الأراضي السورية وإنما نسفاً لتحالف عمره أربعون عاماً ويعود الى تاريخ انتصار ثورة الخميني في إيران والتحالف الذي أقامته مع نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على المستوى الإقليمي وخصوصاً في مواجهة نظام الرئيس العراقي صدام حسين، ومن خلال بدء أولى محاولات تصدير الثورة الخمينية الى لبنان عبر عملية بناء رأس جسر للحرس الثوري الإيراني في البقاع اللبناني الذي كان تحت السيطرة العسكرية والأمنية السورية المطلقة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. وتفضل إيران الإبقاء على المسار الحالي للتفاوض في آستنة لأنها تضمن لنفسها شراكة مع الجانبين الروسي والتركي على الساحة السورية في حين أن مسار جنيف ومرجعية الأمم المتحدة يحصران القدرة على التأثير بكل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وفي أحسن الأحوال الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
ويقترح التصور الإيراني على الرئيس بشار الأسد المبادرة الى إجراء انتخابات تشريعية في سوريا في أسرع وقت ممكن، بمعزل عن الانشغالات بالتصدي لوباء "كورونا"، لأن من شأن مثل هذه الانتخابات التي لا بد أن تنتهي بفوز المؤيدين لتحالف الأسد – إيران، أن تبعث - برأي القيادة الإيرانية - برسالة الى الجانب الروسي بالدرجة الأولى، كما الى الولايات المتحدة الأميركية والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى بضرورة صرف النظر عن أي حل يستبعد الرئيس السوري بشار الأسد عن ولاية رئاسية جديدة من منطلق التأييد الشعبي له. أما في الواقع فإن القيادة الإيرانية تتطلع من خلال هذه الانتخابات الى الدخول للمرة الأولى من خلال مرشحين مؤيدين لها بشكل مباشر الى صلب الحياة السياسية السورية على نحو يصعب معه في المستقبل على خصوم إيران إلغاء تأثيرها في سوريا، والواضح أن طهران تسعى من خلال هذا الطرح الى تكرار تجربة حزب الله في لبنان والتنظيمات الشيعية الموالية لإيران في العراق والحوثيين في اليمن.
على الصعيد العسكري والأمني: يقترح التصور الإيراني التخفيف من المواجهات العسكرية في المرحلة المقبلة، والاكتفاء بما هو ضروري وأساسي منها، تجنباً لأي صدام عسكري جديد مع الجانب التركي، أو مع الولايات المتحدة الأميركية، في وقت ستكون إيران وسوريا تحت وطأة حملة جديدة من العقوبات والضغوطات الإقتصادية والمالية التي تستوجب الاستثمار في ضبط الداخلين السوري والإيراني من خلال استخدام القليل المتوافر من سلاح المال لاسترضاء بعض الرموز الفاعلة والمؤثرة القادرة على ضبط الشارع، أو من خلال تأمين القدرة على الاستمرار في تأمين الحد الأدنى المطلوب من متطلبات عمل المؤسسات في الدولتين والإدارتين والحفاظ على الحد الكافي من الموازنات العسكرية والأمنية.
وتعهد الجانب الإيراني بالعمل على إبقاء خطوط الإمداد الاستراتيجية الحيوية مفتوحة بين طهران ودمشق من خلال الخط الجوي بين طهران وبقية المدن الإيرانية من جهة، ودمشق وبعض المطارات السورية من جهة مقابلة، وبراً عبر العراق وتحديداً عبر معبر البوكمال، كما بين بيروت ودمشق من خلال المعابر البرية التي يسيطر عليه حزب الله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
على الصعيد الاقتصادي: يقترح التصور الإيراني إعادة تحريك السياحة الدينية من إيران والعراق ولبنان الى سوريا لمساعدتها على تحريك اقتصادها بالحد الأدنى، على أن يتم فتح المراقد والعتبات المقدسة للشيعة في سوريا أمام الزوار بمعزل عن التهويل بوباء "كورونا" وإمكان انتشاره بين حشود الحجاج.
وينص التصور الإيراني على الاستفادة من التهدئة العسكرية المقترحة في إدلب لتحويل هذه المنطقة الى متنفس مالي ونقدي يسمح للنظام السوري ولإيران باختراق المقيمين في هذه المنطقة اقتصاديا للحصول على العملات الصعبة تحت شعار التموين وتأمين متطلبات الحياة اليومية. أما في الواقع فإن دمشق وطهران تسعيان لاستخدام هذه المنطقة المفتوحة على العمق التركي من أجل جمع ما يمكن جمعه من العملات الصعبة تعويضاً عن إقفال الأسواق اللبنانية في وجه مثل هذه العمليات بسبب الانهيار المالي والنقدي الذي يعاني منه لبنان.
على الصعيد الاجتماعي: يموّه التصور الإيراني للمواجهة "عملية التشيّع" الواسعة التي تتولاها إيران في المناطق السورية الاستراتيجية، بمسمى المساعدات الاقتصادية والاجتماعية لدعم صمود السوريين في أرضهم. ويركز الإيرانيون جهودهم على العشائر العربية في دير الزور في محاولة للحد من تنامي "الشعور العربي" لديهم، بعدما أظهرت وقائع الأشهر القليلة الماضية تمسك هذه القبائل بهويتها العربية ورفض التحاقها بالمشروع الإيراني وإصرارها على العلاقات والروابط الاجتماعية والسياسية مع امتداداتها الطبيعية ورفض الانسلاخ عن عمقها الحيوي في العراق والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية.
ويعتبر حسين الشاويش الملقب بالحاج أبو علاء وهو شقيق زوجة السفير السوري في طهران عدنان محمود رأس حربة التسويق لمشروع التشيّع الإيراني في دير الزور.
ويلعب الشيخ راغب البشير دورا مماثلا ضمن العشائر في دير الزور للانضمام الى التحالف مع ايران.
وتتولى القيادة الإيرانية تمويل زعماء القبائل الحليفة للنظام في الحسكة، وأبرزهم الشيخ محمد العبد الرزاق ومحمد الفارس من قبيلة "طي" لتجنيد أبنائهم ضد معارضي النظام والقوات الأميركية.
نظرة الى المستقبل
يلتقي المتابعون للملف السوري عن قرب على التأكيد بأن الساحة السورية مقبلة على تحولات جذرية في غضون الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، ستكون جزءاً من انهيار المنظومة الإيرانية على مستوى الشرق الأوسط في ضوء العودة الخليجية الى سوريا، وهي عودة لا بد أن تشمل لبنان لتكريس تحرير العواصم العربية الأربع: بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، من الاحتلال الإيراني. ويبدو أن التظاهرات الشعبية التي خرجت في مدينة اللاذقية السورية احتجاجاً على تردي الأوضاع، باتت تشير الى هشاشة وضع الرئيس بشار الأسد حتى في بيئته التي تعتبر العمود الفقري لنظامه . كما يبدو أن إيران بدأت تستشعر الخطر الفعلي المقبل عليها نتيجة هذا "الدومينو" الشعبي المتدحرج من العراق الى لبنان مروراً بسوريا، والخناق الذي بدأ يضيق على منظوماتها الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية والعقائدية وغيرها. وهي كعادتها ستحاول اللعب على الوقت، وستراهن على احتمال سقوط الرئيس الأميركي دونالب ترامب في الانتخابات الأميركية المقبلة، أو على انهماك المجتمع الدولي بمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار وباء "كورونا"، ومن بينها الانهيار في اسعار النفط، والركود الاقتصادي القاتل لتمرير مشاريعها التوسعية!
لكن الخطر الأكبر هو في احتمال مغامرة ايرانية على قاعدة الهروب الى الأمام من خلال حرب يمكن أن تطلب إيران من حزب الله أن يشعلها مع إسرائيل على الساحتين اللبنانية والسورية... أو من خلال افتعال مواجهة انتحارية مباشرة مع القوات الأميركية في الخليج!
إعداد: مكتب الشؤون السورية
مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجيو- سياسي
مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجيو سياسي للدراسات الاستراتيجية والأبحاث